هيئة تقويم التعليم العام...مرحبا



هيئة تقويم التعليم العام مرحبا بعزيز جاء بعد طول انتظار وبمولود جميل بعد عقم مزمن. إذ لم يعد يخف على أحد حاجة تعليمنا العام إلى مؤسسة مختصة تقيم مستواه لتقوم وضعه .

مع ضعف الخريجين  احتجنا إلى اختبارات قياس والتحصيلي للتأكد من مخرجات التعليم التي ظهر لنا جميعا ضعفها المزعج.
ثم جاءت الاختبارات الدولية لتؤكد أن مدارسنا ليست على ما يرام أو أسوأ .
وقد بلغ الضعف مبلغا استطاعت معه جداتنا أن يشخصن واقع التعليم ويندبن ما وصل إليه تربويا وعلميا ووسيلتهن الوحيدة في ذلك مقارنة الواقع بما كان قبل عقدين فقد كان صغارهن يقرأن مالا يحسن قراءته اليوم خريجي الثانوية.
وهانحن اليوم أولياء أمور ومعلمين وعاملين في الميدان التربوي نسعد بقرار إنشاء هيئة تقويم التعليم العام ونشكر كل من ساهم في إيجادها وأمر بها ، وتحدونا آمال عظيمة لتتمكن هذه الهيئة من المساعدة على نهوض مؤسسات التعليم العام لما نطمح إليه جميعا.
ومن شدة فرحي بهذه الهيئة فإني سأستبق الأحداث وقبل أن أعرف رئيسها ونظامها فإني سأنقل له"كائنا من كان" بعض الجوانب التي أرى أنها من أولويات تقويم التعليم العام الذي قلت من قبل أنه يحتاج إلى "إنقاذ " أكثر من حاجته إلى"تطوير".
وسأسجل لرئيسها الموقر عناوين الملفات التي أرجو أن تبدأ بها الهيئة وهي تشكل مفاتيح كبرى للنهوض بالتعليم من وجهة نظري كعامل في الميدان التربوي وأب لطلاب في جميع مراحل التعليم وهي كالتالي :
1-إنشاء "بنك الخبرات التربوية " وقد كتبت فيه مقترحا نشر في العديد من المواقع من قبل وأرسلته إلى وزارة التربية عبر بوابة تطوير ولكن لم يكن له رجع صدى.
2-لن أتحدث عن الميزانية الضخمة التي تمثل مقولة(وفرة في الإنتاج وسوء في التوزيع) فهي واضحة لكل متابع وقد كتب فيها عبدالله العلمي مقالا نشر في الاقتصادية .. لكن فاته أن يلتقط صورة الملتقيات والمؤتمرات والحفلات والحملات الدعائية والانتدابات الخارجية ليعرف أين ذهبت المليارات!.
3-مفتاح إصلاح مؤسسات التعليم هي في حسن اختيار قادته وللأسف فإن وزارة التربية هي التي يجلب لها قيادات من خارج الميدان التربوي لا يعرفون شيئا في التربية مما أضعف قدرتهم على التصور الحقيقي والحاجات الفعلية للميدان مما جعلهم يمارسون أسلوب المحاولة والخطأ ثم يستعينون بخبراء أكاديميين مجردين من الخبرة العملية التربوية فيقعون في خطأ أكبر إذ يبقى عملهم في الغالب تنظيرا يفشل عند أول محاولة للتطبيق في الميدان ثم تبدأ محاولات القص واللصق وستر عيوب القرارات البائسة مما يزيد الطين بلة.
4-كل محاولة لتطوير التعليم وإصلاحه لا تعتني بالمعلم فهي فاشلة ، والمعلم يحتاج إلى تعزيز شعور الانتماء إلى مهنته كما يحتاج إلى تقديره ويحتاج إضافة إلى ذلك لتدريبه بطريقة صحيحة تفيده .
5-الطالب اليوم ليس كالطالب بالأمس فقديما كان الطالب يتحرك كثيرا ولا يتهيأ له الجلوس إلا في المدرسة كما أنه لم يكن يحصل على المعرفة والمعلومة إلا في المدرسة أما اليوم فقد انقلب الوضع فهو يحتاج إلى الحركة أكثر داخل المدرسة وتقليل المعلومة مع تجويدها ، وليس من المعقول أن يبقى الطالب كل يوم ست ساعات جالسا لا يتحرك إلا في الفسحة أو الطابور أو حصة البدنية إن ذلك يناقض خصائص نموه وخاصة في المراحل الأولية وما لم تحل هذه المشكلة فستبقى مشكلات إدارة الصف قائمة.
6-الطالب له حاجات أربع في نموه(نفسية-جسمية-عقلية-اجتماعية)فهل نظامنا التعليمي يقوم بتربية الطالب من خلال الموازنة بين هذه الاحتياجات؟. ذكرت أكثر من مرة أن البعد التربوي غائب في تعليمنا العام فكل خططنا وبرامجنا تركز على آليات لا تدعم الجانب التربوي والمعلم يفتقد المتابعة والتنمية المهنية المخططة التي تجعله مرب أكثر منه ناقل للمعلومة أو ميسر لها كما تدندن به وزارة التربية والتعليم، وكثير من مشكلاتنا الاجتماعية يمكن حلها داخل المدرسة قبل أن تصبح سلوكا يدعمه استقراره في اللاشعور ليصبح ثقافة اجتماعية وذكرت نموذجا لعلاقة الفساد بأيام الاختبارات في مقال بعنوان الاختبارات حاضنة الفساد الأولى.
7-لازالت مدارسنا تعاني من المقاصف المدرسية كل عام فهي بين ضعف في الخدمة وبين وجبات غير صحية وعدم توفر للمياه فليت أن المقاصف تسلم لشركات كبرى أثبتت نجاحها في السوق من حيث تعدد منتجاتها ووصولها إلى كل مكان مثل شركة نادك وشركة المراعي وغيرها من الشركات المماثلة التي تستطيع من خلال أساطيلها وشبكاتها أن توفر وجبات صحية لأبنائنا أفضل من البطاطس المسرطن والمياه المحلاة التي تسمى زورا بالعصير..
هل تعتبرون ذلك دعاية للشركات ؟ حسنا لا يهم المهم أن يحصل أبنائنا على وجبات مفيدة.
8-دورات المياه في المدارس أجلكم الله يفترض أن تقضي حاجة فسيولوجية لأبنائنا لكنها في نفس الوقت تسبب لهم صدمات نفسية كل يوم ، وليست بعيدة تلك التغريدة لوزير التربية السابق حول سوء حمامات محطات الخدمة على الطرق السريعة ورد بعضهم عليه بشأن دورات مياه المدارس في عهد وزارته...
 في اليابان يقوم الطلاب بتنظيف مرافق المدرسة بأنفسهم وفي نظام بعض الدول كما أخبرني مدير مدرسة في تلك الدولة  تبدأ آلية تقويم مستوى المدرسة من نظافة الحمامات فهل يصعب علينا وضع آلية للعناية بهذا الجانب لقضاء الحاجة اليومية وكم لدينا من الطلاب من لديهم مشكلات صحية يعانون معها أكثر من مرة يوميا.
9-المباني المدرسية تناولها الكثير من الكتاب والتربويون وأتمنى من الهيئة حينما تتجول في مدارسنا أن تزور مدارس أرامكو القديمة"الزرقاء" لترى بساطة الإنشاء وقلة التكلفة في الإنشاء والصيانة وتحقيق الجوانب التربوية وكل ما ينقصها هو أن تغطى ساحاتها الداخلية وتركب لها أجهزة تكييف.
10-التدريب التربوي للمعلمين والمديرين والمشرفين وجميع منسوبي التعليم مأساة يدور في حلقة مفرغة ولا يسمن ولا يغني من ضعف مهني في شكله الحالي ويفترض أن يعدل وتكون برامجه متوافقة مع توصيات مديري المدارس والمشرفين التربويين والمعلمين إذ هم أدرى بحاجاتهم اليومية كما يفترض أن توضع جداول صماء من الدورات التدريبية يلزم كل معلم بها صباحية ومسائية ويصرف له ميزات لحضورها ولا يعفى من حضور أي دورة إلا إذا كان لديه شهادة بنفس المحتوى لدى معهد معترف به.
11-المناهج والكتب الدراسية كثيرة مما يجعل بعضها يعطل بعض وقليل دائم خير من كثير منقطع ينتهي بمجرد خروج الطالب من قاعة الاختبار . فما المانع من اختصار بعض المواد ودمج بعضها وإلغاء بعضها الآخر وخاصة المكرر منها ومالا يحتاجه الطالب في حياته اليومية إن الطالب لو حفظ ما في جميع المقررات لأصبح عالما موسوعيا لكثرة ما فيها ومع ذلك فطلابنا يحفظوها لينسوها!.
12-ورد في تقارير كثيرة أن تعليمنا لا يلبي حاجات المجتمع ولهذا لا يجد الخريج مكانا له أفضل من جامعاتنا المحلية التي هي بدورها أشبه بمدارس ثانوية كبرى والسبب أننا لم نجب على السؤال المهم : لماذا نعلم؟ فإذا كان الطالب المتخرج من المرحلة الثانوية لا يستفيد عملا ذا أهمية  ولا تقتنع به المؤسسات الأهلية ، وهو في نفس الوقت لا يتقن المهارات الأساسية من قراءة وحساب ، وفوق هذا لا يتقن المواطنة الصالحة دينيا ولا دنيويا ...فإني أسأل لماذا نعلم؟
وأنا هنا أتحدث عن جيل كامل وعن سياسة مؤسسات كبرى ولا أتحدث عن أفراد.
13-الإرشاد الطلابي من ضروريات المدرسة اليومية ووضعه الحالي لا يسر صديقا بل يكاد يكون مأساة فأكثر العاملين فيه غير مؤهلين كما أن آليته أقرب لأن تكون حلا لمشاكل إدارية أكثر منها حلا لمشكلات الطلاب وتحقيقا لحاجاتهم ولذلك يندر أن تجد طالبا يلجأ للمرشد الطلابي من تلقاء نفسه ولو علم أنه سيجد حلا لمشكلاته لما تأخر وإذا وجدت عكس ذلك فثق أنه الشذوذ الذي يؤكد القاعدة.
14-يكثر في وزارة التربية وفي المدارس وإدارات التعليم أن تجد كثيرا من الأمور التي تسير  بالعرف ولا يوجد لها نظام موثق ومكتوب وبقدر علاقتك بالمسئولين تحصل على ما تريد وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة تقنين جميع أعمال وزارة التربية والتعليم ووضوحها لجميع المستفيدين وهنالك بعض اللوائح  التي تحتاج إلى تعديل لكن الكثير يحتاج إلى إيجاد.تريد دليلا؟ تنقل بين إدارات التعليم في مختلف المناطق للبحث عن جواب لسؤال موحد وستخرج بإجابات قد تصل إلى ثلاثة أضعاف الإدارات التي زرتها.
15- بعد وجود التقنين يمكن تفعيل المحاسبة التي نحتاج إليها اليوم ولو زرت الآن أي مكتب إشراف تربوي فستجد عددا من المعلمين الموقوفين عن العمل في المدارس وقضاياهم معلقة منذ أكثر من خمس سنوات فلماذا؟ إذا كان هؤلاء مدانين فاتخذ بحقهم إجراء وإذا كانوا غير مدانين فأعدهم إلى مدارسهم ولا تتركهم معلقين لا يعلمون مصيرهم ومن سيء ما يرتكب في حقهم أن يخفض مستوى أحدهم إلى مستوى أقل ثم يصل القرار متأخرا فتحسم الفروقات المالية دفعة واحدة مما يتسبب لهم في مشكلات مادية كانوا في غنى عنها لو تم تنظيم القرار.

16-كل عمل مؤسسي يفتقد إلى الرقابة الاجتماعية سيخضع حتما للمجاملات وتغطية العيوب مما يجره جرا إلى دائرة الفساد الإداري أو المالي أو القيمي ، وأفضل جهة يمكن أن تقيم عمل المدارس ومؤسسات التعليم العام هي الجهات المستفيدة منها وأهمها الأسرة فما لم تشارك الأسرة والمجتمع في تقويم عمل المدرسة فسيبقى التقويم قاصرا ومجلس المدرسة في صورته الحالية لا يصلح للمهمة  وينبغي إعادة تنظيمه وتفعيله بما يرقى بأداء المدرسة أما أن يكون مقتصرا على العاملين بالمدرسة وبعض أصدقائهم من أولياء أمور الطلاب فلن يجدي شيئا في عملية التقويم.
17-المدارس الأهلية تحتاج إلى وقفة خاصة فما كان منها لخدمة التعليم فيجب دعمه وتقويم أداءه وما كان منها لخدمة جيوب المستثمرين فيجب إغلاقه فورا وهذا من أبسط حقوق المواطنين الذين وثقوا في وزارة تشرف على مدارس تستنزف أموالهم ولا تبني أبنائهم.
كانت هذه الملفات من أهم المشكلات العاجلة التي تمنيت أن يبدأ بها  صباح أول يوم لهيئة تقويم التعليم العام وهذه الملفات من يوميات العمل التربوي.
وسنبقى متفائلين رغم جميع الظروف فلدينا في الميدان التربوي من الخبرات المتراكمة ما لو استغل على الوجه الأمثل لنافسنا بحق على المراكز الأولى عالميا .
وإني أذكر أحبابنا في الهيئة الوليدة أن يستحضروا ولادة أختهم السابقة هيئة مكافحة الفساد التي كانت صرحا من خيال فهوى إذ أن المواطنين علقوا عليها آمالا كبرى لكنها فشلت في تحقيق أقل القليل ولهذا فإن هيئة تقويم التعليم العام يجب أن تتصرف بحنكة وروية إزاء حاجات المواطنين الذين إنما أنشأت من أجلهم وكلما كانت أقرب إلى الميدان وتلمست حاجات المستفيدين من التعليم والعاملين فيه كلما كانت أقرب إلى التوفيق الذي نرجو الله أن يكون حليفها مع خطواتها الأولى.

كتبه
خالد بن محمد الشهري
26/10/1433هـ
@abubaker_m
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق