إن هناك تسابق يجري في العالم اليوم للعناية بالأطفال وأساليب إعدادهم بشرط أن تكون البداية من الطفولة المبكرة، هذه العناية ليست مجرد رعاية طفل , لكنها إعداد للمجتمع وتكوين لسلاح المستقبل، ولا يمكن أن يأتي من فراغ, أو صدفة، أو ارتجال, إنما هي وليدة دراسات وإعداد طويل محسوب, ومكفول له الإمكانات والضمانات التي تصل إلى الغاية المنشودة.
ولم يعد الاهتمام بالطفولة مجرد اهتمام بقطاع من المجتمع ,لكنه اهتمام بالمجتمع، ولا بد من مضاعفة الإنجازات بالأطفال حتى تملأ أبصارنا كل عام بصورة جديرة بالطفل العربي الذي يمثل جيل المستقبل.
وتظهر بعض المشاكل الخاصة بالخوف من المدرسة عند بعض الأطفال، التي قد تصل إلى حد الرهاب والتي تتجلى في اضطرابات في النوم وصعوبة بالغة في الاستيقاظ صباحا في أيام المدرسة، فإذا قام الطفل إلى المدرسة بدا كسولا وخرج متلكئًا، وإذا ما اقترب من مدخل المدرسة أحس بخفقان شديد ورعب عارم يحول بينه وبين تخطي عتبتها. ومنهم من تصيبه آلام حادة في المعدة أو صداع مفاجئ أو غثيان لم يشعر به من قبل، ما يعده الأهل تمارضا أو ما يشبه التمارض، وربما انتابته هذه الأعراض داخل حجرة الدراسة إثر وقوع عينيه على مشهد مؤثر أو تعرضه لزجر أو عقاب ونحو ذلك. أما في غير أيام الدراسة، فيستعيد ذلك الطفل حيويته ونشاطه وعافيته وكأن شيئا لم يكن.
ويعرض لنا الدكتور أحمد المطيلي الاختصاصي النفسي أعراض هذا الرهاب الذي يتجلى في أعراض البكاء الشديد الناتج عن الخوف الحاد المرتبط بالانفصال عن الوالدين، ولا سيما الأم والمصاحب بالرفض التام للمكوث في الفضاء المدرسي منذ الوهلة الأولى التي تطأها قدماه. وفي حالات أخرى تبرز مظاهر الرهاب المدرسي بعد أن يرتاد الطفل المدرسة ارتيادا منتظما لا يدع مجالا للشك في توافقه وتآلفه مع مدرسيه وبقية زملائه، فإذا به يفاجئ الأسرة بأعراض نفسية أو سلوكية تحوجه إلى المكوث في البيت لوقت قد يطول وقد يقصر تبعا لحدة الأعراض والملابسات الثانوية خلفها.
وقد لوحظ في أحيان أخرى اقتران الرهاب المدرسي بجملة من الاضطرابات بالأكل كضعف الشهية والغثيان والتقيؤ والدوار والصداع أو اضطرابات النوم والكوابيس، كما قد يقترن كذلك بأنواع أخرى من الرهابات كالخوف الشاذ من الحشرات أو الحيوانات أو الظلام أو الرهاب الاجتماعي فضلا عن الوساوس.
ولا ريب في أن الرغبة التي يبديها الآباء في تفهم مشاعر الطفل ومطالبه وسعيهم إلى مد يد المساعدة إليه بتهدئته وطمأنته وتوفير الجو الملائم للنمو الكامل والمتوازن كلها مواقف لا غنى عنها لقدرته على التصدي لهذه المخاوف والتي قد تصل إلى حد الرهاب. وبوسع الآباء كذلك أن يبادروا إلى فهم ما حصل اعتمادا على مبدأ التواصل القائم على الإنصات والحوار الهادئ. ولا يحصل ذلك إلا متى استشعر الآباء مدى ما يستشعره الطفل نفسه، بحيث تتهاوى الفروق القائمة بينهم حسا ووجدانا وتعبيرا. ومن هذا القبيل أن يتقبلوا مخاوف الطفل ويحملوها على محمل العناية والاهتمام بدل الاستهانة به أو السخرية منه والزراية عليه. وأن يُهدئوا من روعه ويقفوا بجانبه بدل تجاهله أو القسوة عليه حينما تنتابه الرهبة والهلع.
ولكن من ناحية أخرى، فإن الحماية الزائدة والشفقة المفرطة والمبالغة في الحذر والخوف الشديد عليه فما يحسن توقيه واجتنابه لئلا يتسرب الشك والوهن إلى نفسه. ولابد في هذا الصدد أيضا أن نعّلمه الأذكار البسيطة والخفيفة التي تجدد إيمانه بخالقه وتبث الطمأنينة والسكينة في أعماقه وتبعث في نفسه التفاؤل والأمل إن كان يستطيع استيعاب هذا. مثل هذه التصرفات كفيلة بتخفيف حدة الاضطرابات وإشعار الطفل بأنه لا يقف وحيدا في مهب الانفعالات العاتية ورياحها العاصفة بسلامته النفسية وتوازنه العقلي.
الطفل والأنشطة المدرسية
ولعل أخطر ما يتهدد الطفل في هذا الشأن الانقطاع المدرسي، الذي قد يؤدي إلى الفشل دراسيا، ولا شك في أن الطفل الفاشل دراسيا قد لا يكمل مسيرة تعليمه فيتقهقر عن زملائه، وبعضهم يلجأ إلى ترك دراسته تماما فنصبح هنا أمام حالة من الحرمان التربوي، وهذه تؤدي إلى افتقار الطفل إلى الخبرات المنظمة الهادفة لنموه من قبل مؤسسة مسئولة عن التعليم والثقافة في الدولة هي المدرسة. ولا نغفل جانبا مهما هو أن خروج الطفل عن دائرة التعليم يجعله في حالة من الاستهداف لعوامل اجتماعية سلبية في المجتمع، منها جماعات الأقران في مثل عمره، فضلا عن فقدان هذا الطفل للثقافة والعلم اللذين يمثلان هدفا رئيسيا لهذه المؤسسة الاجتماعية.
وإذا كان الطفل يأتي إلى المدرسة ليبدأ تكوينه العقلي والحضاري والإنساني، فلذلك ينبغي أن تكون المدرسة قطعة من الجمال والنظافة والتنسيق، لأن الطفل الذي تستقبله هذه المدرسة يتعلم بعينيه ثم يتعلم بأذنيه. ولذلك عند زيارة الرئيس الصيني ماوتسي تونج لإحدى مدارس بكين العاصمة كان الدرس عن زراعة أحد المحاصيل المهمة، ولاحظ الزعيم الصيني كثرة أسئلة التلاميذ، ولاحظ أيضا حيرة المعلم في الإجابة، فطلب ماو أن يصحب المعلم تلاميذه إلى الحقول، وفي الطريق قال الرئيس للمعلم اصحب تلاميذك إلى المواقع الطبيعية فيكفوا عن الأسئلة واصحبهم أيضا إلى المتاحف فتلتصق المعلومات بأذهانهم أكثر. إن التعليم ليس حشو معلومات بل استنباطها بالرؤية، وفي غياب الصورة الإيضاحية تغيب المعلومات وتتبخر وتبقى المشاهدة والممارسة.
الطفل والثقافة
وحين ينمو الطفل ويتقدم في مراحل التعليم، فلابد هنا من الاهتمام بثقافته، والثقافة هنا هي منظومة القيم والمعايير والمعتقدات والتقاليد والممارسات التي تتكون في المدرسة مع الوقت نتيجة لتفاعل مجتمع المدرسة (الإدارة والمعلمون والطلاب) مع بعضهم وحلهم للمشكلات والتحديات التي تواجههم. وهذه المنظومة غير رسمية (لا تدّون عادة في وثائق المدرسة)، بل تتكون من التوقعات والقيم التي تشكل طريقة تفكير الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم في المدرسة، وهذه التأثيرات المتبادلة هي التي تجعل المدرسة وحدة واحدة وتعطيها خصوصيتها. والثقافة المدرسية لها قوة بالغة في التأثير على جميع جوانب العملية التربوية في المدرسة، على الرغم من أنها قد تؤخذ ببساطة ويتم تجاهلها أو التقليل من شأنها، فتأثيرها يبدأ بمظهر العاملين في المدرسة (طريقة لبسهم) ويمتد إلى أحاديثهم واهتماماتهم وتركيزهم على تحصيل الطلاب وطرائق تدريسهم.
إنها التي تجعلنا ندرك كذلك سحر الأشياء المصنوعة وما يقذف به المصنع والآلة من نتاج له طابعه الجمالي المنفرد، بل له ألحانه ورومانتيكيته على حد تعبير برشت. إنها ترينا فيما ترينا واقع المدينة المدهش على حد تعبير بودلير، إنها ترينا بقول موجز ما في امتزاج الإنسان بالطبيعة من إبداع وجمال.
وهي، فوق هذا كله، كما يقول الكاتب عبدالله عبدالدائم في مقال له عن المدرسة والمتع الثقافية، تطلعنا على الحركة المستمرة المتصلة للتاريخ، وتجعلنا نحب الحاضر حبا أعمق ونفهمه فهما أسلم حين نربطه بماضٍ نستمتع بجماله وروعته كما يستمتع الإنسان بذكريات طفولته. بل إنها تجعلنا نصل في النهاية إلى الإدراك الكلي الشامل ونعيش في بيئة أوسع وأشمل، برؤية كلية تأخذ الأشياء الجزئية معناها من خلالها.
ولم يعد الاهتمام بالطفولة مجرد اهتمام بقطاع من المجتمع ,لكنه اهتمام بالمجتمع، ولا بد من مضاعفة الإنجازات بالأطفال حتى تملأ أبصارنا كل عام بصورة جديرة بالطفل العربي الذي يمثل جيل المستقبل.
وتظهر بعض المشاكل الخاصة بالخوف من المدرسة عند بعض الأطفال، التي قد تصل إلى حد الرهاب والتي تتجلى في اضطرابات في النوم وصعوبة بالغة في الاستيقاظ صباحا في أيام المدرسة، فإذا قام الطفل إلى المدرسة بدا كسولا وخرج متلكئًا، وإذا ما اقترب من مدخل المدرسة أحس بخفقان شديد ورعب عارم يحول بينه وبين تخطي عتبتها. ومنهم من تصيبه آلام حادة في المعدة أو صداع مفاجئ أو غثيان لم يشعر به من قبل، ما يعده الأهل تمارضا أو ما يشبه التمارض، وربما انتابته هذه الأعراض داخل حجرة الدراسة إثر وقوع عينيه على مشهد مؤثر أو تعرضه لزجر أو عقاب ونحو ذلك. أما في غير أيام الدراسة، فيستعيد ذلك الطفل حيويته ونشاطه وعافيته وكأن شيئا لم يكن.
ويعرض لنا الدكتور أحمد المطيلي الاختصاصي النفسي أعراض هذا الرهاب الذي يتجلى في أعراض البكاء الشديد الناتج عن الخوف الحاد المرتبط بالانفصال عن الوالدين، ولا سيما الأم والمصاحب بالرفض التام للمكوث في الفضاء المدرسي منذ الوهلة الأولى التي تطأها قدماه. وفي حالات أخرى تبرز مظاهر الرهاب المدرسي بعد أن يرتاد الطفل المدرسة ارتيادا منتظما لا يدع مجالا للشك في توافقه وتآلفه مع مدرسيه وبقية زملائه، فإذا به يفاجئ الأسرة بأعراض نفسية أو سلوكية تحوجه إلى المكوث في البيت لوقت قد يطول وقد يقصر تبعا لحدة الأعراض والملابسات الثانوية خلفها.
وقد لوحظ في أحيان أخرى اقتران الرهاب المدرسي بجملة من الاضطرابات بالأكل كضعف الشهية والغثيان والتقيؤ والدوار والصداع أو اضطرابات النوم والكوابيس، كما قد يقترن كذلك بأنواع أخرى من الرهابات كالخوف الشاذ من الحشرات أو الحيوانات أو الظلام أو الرهاب الاجتماعي فضلا عن الوساوس.
ولا ريب في أن الرغبة التي يبديها الآباء في تفهم مشاعر الطفل ومطالبه وسعيهم إلى مد يد المساعدة إليه بتهدئته وطمأنته وتوفير الجو الملائم للنمو الكامل والمتوازن كلها مواقف لا غنى عنها لقدرته على التصدي لهذه المخاوف والتي قد تصل إلى حد الرهاب. وبوسع الآباء كذلك أن يبادروا إلى فهم ما حصل اعتمادا على مبدأ التواصل القائم على الإنصات والحوار الهادئ. ولا يحصل ذلك إلا متى استشعر الآباء مدى ما يستشعره الطفل نفسه، بحيث تتهاوى الفروق القائمة بينهم حسا ووجدانا وتعبيرا. ومن هذا القبيل أن يتقبلوا مخاوف الطفل ويحملوها على محمل العناية والاهتمام بدل الاستهانة به أو السخرية منه والزراية عليه. وأن يُهدئوا من روعه ويقفوا بجانبه بدل تجاهله أو القسوة عليه حينما تنتابه الرهبة والهلع.
ولكن من ناحية أخرى، فإن الحماية الزائدة والشفقة المفرطة والمبالغة في الحذر والخوف الشديد عليه فما يحسن توقيه واجتنابه لئلا يتسرب الشك والوهن إلى نفسه. ولابد في هذا الصدد أيضا أن نعّلمه الأذكار البسيطة والخفيفة التي تجدد إيمانه بخالقه وتبث الطمأنينة والسكينة في أعماقه وتبعث في نفسه التفاؤل والأمل إن كان يستطيع استيعاب هذا. مثل هذه التصرفات كفيلة بتخفيف حدة الاضطرابات وإشعار الطفل بأنه لا يقف وحيدا في مهب الانفعالات العاتية ورياحها العاصفة بسلامته النفسية وتوازنه العقلي.
الطفل والأنشطة المدرسية
ولعل أخطر ما يتهدد الطفل في هذا الشأن الانقطاع المدرسي، الذي قد يؤدي إلى الفشل دراسيا، ولا شك في أن الطفل الفاشل دراسيا قد لا يكمل مسيرة تعليمه فيتقهقر عن زملائه، وبعضهم يلجأ إلى ترك دراسته تماما فنصبح هنا أمام حالة من الحرمان التربوي، وهذه تؤدي إلى افتقار الطفل إلى الخبرات المنظمة الهادفة لنموه من قبل مؤسسة مسئولة عن التعليم والثقافة في الدولة هي المدرسة. ولا نغفل جانبا مهما هو أن خروج الطفل عن دائرة التعليم يجعله في حالة من الاستهداف لعوامل اجتماعية سلبية في المجتمع، منها جماعات الأقران في مثل عمره، فضلا عن فقدان هذا الطفل للثقافة والعلم اللذين يمثلان هدفا رئيسيا لهذه المؤسسة الاجتماعية.
وإذا كان الطفل يأتي إلى المدرسة ليبدأ تكوينه العقلي والحضاري والإنساني، فلذلك ينبغي أن تكون المدرسة قطعة من الجمال والنظافة والتنسيق، لأن الطفل الذي تستقبله هذه المدرسة يتعلم بعينيه ثم يتعلم بأذنيه. ولذلك عند زيارة الرئيس الصيني ماوتسي تونج لإحدى مدارس بكين العاصمة كان الدرس عن زراعة أحد المحاصيل المهمة، ولاحظ الزعيم الصيني كثرة أسئلة التلاميذ، ولاحظ أيضا حيرة المعلم في الإجابة، فطلب ماو أن يصحب المعلم تلاميذه إلى الحقول، وفي الطريق قال الرئيس للمعلم اصحب تلاميذك إلى المواقع الطبيعية فيكفوا عن الأسئلة واصحبهم أيضا إلى المتاحف فتلتصق المعلومات بأذهانهم أكثر. إن التعليم ليس حشو معلومات بل استنباطها بالرؤية، وفي غياب الصورة الإيضاحية تغيب المعلومات وتتبخر وتبقى المشاهدة والممارسة.
الطفل والثقافة
وحين ينمو الطفل ويتقدم في مراحل التعليم، فلابد هنا من الاهتمام بثقافته، والثقافة هنا هي منظومة القيم والمعايير والمعتقدات والتقاليد والممارسات التي تتكون في المدرسة مع الوقت نتيجة لتفاعل مجتمع المدرسة (الإدارة والمعلمون والطلاب) مع بعضهم وحلهم للمشكلات والتحديات التي تواجههم. وهذه المنظومة غير رسمية (لا تدّون عادة في وثائق المدرسة)، بل تتكون من التوقعات والقيم التي تشكل طريقة تفكير الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم في المدرسة، وهذه التأثيرات المتبادلة هي التي تجعل المدرسة وحدة واحدة وتعطيها خصوصيتها. والثقافة المدرسية لها قوة بالغة في التأثير على جميع جوانب العملية التربوية في المدرسة، على الرغم من أنها قد تؤخذ ببساطة ويتم تجاهلها أو التقليل من شأنها، فتأثيرها يبدأ بمظهر العاملين في المدرسة (طريقة لبسهم) ويمتد إلى أحاديثهم واهتماماتهم وتركيزهم على تحصيل الطلاب وطرائق تدريسهم.
إنها التي تجعلنا ندرك كذلك سحر الأشياء المصنوعة وما يقذف به المصنع والآلة من نتاج له طابعه الجمالي المنفرد، بل له ألحانه ورومانتيكيته على حد تعبير برشت. إنها ترينا فيما ترينا واقع المدينة المدهش على حد تعبير بودلير، إنها ترينا بقول موجز ما في امتزاج الإنسان بالطبيعة من إبداع وجمال.
وهي، فوق هذا كله، كما يقول الكاتب عبدالله عبدالدائم في مقال له عن المدرسة والمتع الثقافية، تطلعنا على الحركة المستمرة المتصلة للتاريخ، وتجعلنا نحب الحاضر حبا أعمق ونفهمه فهما أسلم حين نربطه بماضٍ نستمتع بجماله وروعته كما يستمتع الإنسان بذكريات طفولته. بل إنها تجعلنا نصل في النهاية إلى الإدراك الكلي الشامل ونعيش في بيئة أوسع وأشمل، برؤية كلية تأخذ الأشياء الجزئية معناها من خلالها.
د. بركات محمد مراد
الرابط / http://www.abegs.org/Aportal/Blogs/showDetails?id=13642
0 التعليقات:
إرسال تعليق