المدرسة المتآلفة

المدرسة المتآلفة


شاركت في أحد الأعوام السابقة في برنامج تدريبي تم تقديمه لمجموعة من المدارس، وكان نصيبي أربعة مدارس، وكان البرنامج قصيراً لا يتجاوز ساعتين، ويعتمد على توزيع الحاضرين في عدة مجموعات لتنفيذ محاور البرنامج.

وحين قدمته في المدارس الأربعة لفت انتباهي نوع التآلف بين أعضاء كل مدرسة وانعكاس درجة تآلفهم وانسجامهم على البرنامج بشكل واضح، وقد كانت مدرستان تتمتعان بجو من الألفة يعيشونه، وكانت الروح الأخوية لافتة لنظر الزائر الخارجي، فيما كانت المدرسة الثالثة ذات انسجام ضعيف نسبياً، أمَّا المدرسة الرابعة فقد كاد يكون منعدماً.

ولاحظت أن المدرستين اللتين تتصفان بالتآلف فيما بين منسوبيها قد حضر البرنامج مديرها ووكلائها جميعاً، ولم يتغيب إلا المناوبون مع الطلاب، على حين تغيب المدير والوكلاء في المدرستين الأخريين، مما أعطى صورة واضحة عن مدى افتقادهم للألفة فيما بينهم.

ومن هنا فقد أحببت أن أذكر الزملاء التربويين ببعض العوامل التي تزيد من الألفة فيما بين منسوبي المدرسة الواحدة، وسأسردها بشكل مركَّز:
1- وضوح أهداف المدرسة لجميع منسوبيها ودورها في الحياة بشكل عام وفي المجتمع بشكل خاص يجعل منسوبيها يفهمون لماذا هم مجتمعون في هذا المكان بشكل يومي، وتوحد الأهداف يساعد على توحد الجهود، مما يوطن للألفة والانسجام بين منسوبي المدرسة.

2- العناية بالبعد الأخلاقي والتربوي في رسالة المدرسة، وتمثل ذلك في سلوك جميع العاملين فيها، مما يجعل المعلم يحرص في سلوكه على العناية بالجانب التربوي القائم على الرحمة والرفق.

3- المعاملة الطيبة بين قيادة المدرسة والمعلمين وبين المعلمين والطلاب، وذلك من خلال التعامل بالآداب الإسلامية، من إفشاء للسلام والابتسام وأداء حقوق المسلم الستة: (إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه).

4- ينبغي لقيادة المدرسة أن تحرص على أن يسود الاحترام بين جميع منسوبي المدرسة، وليبدأ القائد ومساعدوه بأنفسهم لتنتقل ثقافة الاحترام تدريجياً بين الجميع.

5- عند وقوع أحدهم في خطأ أو تقصير - طالباً أو معلماً - فيجب أن تحرص قيادة المدرسة على تعديل السلوك بأيسر السبل وعدم التعويل على التهديد والعقوبة والتدرج في التعديل بحسب الحاجة. وفي المقابل لا بد من نشر ثقافة الاعتذار عن الخطأ وتصحيحه وتحمل مسئوليته ممن وقع فيه بشكل واضح.

6- ولا يلغي ذلك أن على القائد مراعاة وتقدير الظروف التي قد يمر بها أحد منسوبي المدرسة، وأن عمل اللازم تجاهه لا يعني إلغاء مبدأ العلاقة الأخوية، بل نحرص مع كل إجراء على أن نبين مسبباته، وليتذكر القائد أن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، وأن الرفق ما كان في شيءٍ إلا زانه ولا نزع من شيءٍ إلا شانَه.

7- ومما يزيد الأُلفة في المدرسة: الاهتمام باللقاءات غير الرسمية بين إدارة المدرسة والمعلمين، ولتكن بشكلٍ دوري كل شهر أو أقل، ولا تقل عن لقاءين في كل فصل دراسي، تمارس فيها جلسات ودِّية أخوية خارج وقت الدوام، وتمارس فيها هوايات مشتركة، ويتناولون فيها وجبة طعام؛ مما يزيد من الترابط والألفة فيما بينهم.

8- كذلك فإن إقامة أنشطة لاصفِّية بين المعلمين والطلاب يكسر الروتين والرتابة، وذلك على شكل يوم رياضي أو ثقافي تُجرى فيه مباريات بين فريق من الطلبة وفريق من المعلمين، أو مسابقات ثقافية أو حوار مفتوح، مما يبدد تلك النظرة السلبية إلى المعلم بين طلابه حين يرونه بشخصية ودودة خارج نمط الدرس التقليدي.

9- العدل في المعاملة أهم أسباب الألفة بين العاملين، لأنهم يضمنون حقوقهم؛ والعدل في مفهومه الصحيح هو وضع الشيء في موضعه الصحيح فتسند المهام للشخص المناسب ولا يكون توزيع الأعمال والمهام بناءً على القبول النفسي لفلان أو علان، بل تتوخى المصلحة دائماً. وأكثر المشكلات التي يعاني منها المديرون تكون بسبب أن أحد منسوبيهم يشعر بأنه قد وقع عليه ظلم أو اضطهد من قبل إدارته ولم يجد من يحتويه وينصفه.

10- كذلك الحال مع الطلاب؛ لا بد من قبولهم كما هم ومحاولة إصلاح سلوكهم دون تفرقة بينهم ودون أيِّ تمييز، ولأيِّ سبب، والتعامل معهم على أنهم أمانة من قبل جميع الإداريين والمعلمين.

11- عندما تهتم قيادة المدرسة بمشاركة منسوبيها في وضع الخطط فإن ذلك يشعرهم بأهميتهم مما ينعكس إيجابيا على سلوكهم وتواصلهم وتعاونهم. ومهما كانت مشاركاتهم بسيطة إلا أن أثرها الإيجابي عليهم سيكون بالغاً، فليجرب القائد أن يُشرك معلميه في وضع الخطط وعمل الجدول المدرسي وليأخذ آراءهم في طريقة تنفيذ المهام اليومية وتشكيل الفرق وتوزيعها عليهم. ومن خلال تجربتي فإني لم أكن أسمح أن يبقى أي واحد من المعلمين دون تكليف بمهمة أو لجنة أو نشاط تتناسب مع شخصيته، وبعد مشاورتهم، مما يشعر كل واحد بأن له قيمته ويستلم ذلك ضمن تكليفه من بداية العام الدراسي.

12- وكذلك يقوم قائد المدرسة مع معلميه بإشراك الطلاب في الأمور التي تتعلق بهم، مثل المشاركات والأنشطة داخل المدرسة وخارجها والمشاركة في وضع جداول المواد وجداول الاختبارات، مع بيان الظروف التي يجب أن يراعوها. وأذكر هنا أني حين كنت مديرًا لمدرسة ثانوية كنتُ أُشرك بعض الطلاب في جماعة النظام، وكانوا يتحملون المسؤولية في تصميم برامج جماعتهم واختيار الأعضاء ووضع ضوابط لهم، حتى أن بعضهم كان يأتي إليَّ في الإجازة الصيفية حين كنا نداوم في المدرسة ليعرض عليَّ خطته لبداية الدراسة وكيف يحاول أن يتجاوز سلبيات العام الماضي.

13- وأُذكر القائد التربوي أن من أهم مسئولياته إيجاد وسائل تواصل مختلفة ومتنوعة أفقياً ورأسياً، والحذر من انقطاع التواصل لأي سبب بين القائد التربوي وبين منسوبي مدرسته.

14- وحين يتفقد القائد لكل جزء وكل فئة في مدرسته ويخالطهم ولا يعتمد على الآخرين في الحصول على المعلومات ولا يكتفي بالتقارير المكتوبة، فإنه يكون هنا أقرب للقبول وأدعى لتحقيق أهدافه لأنه أوصل رسالته بشكل عملي مما يحقق معنى مهما من معاني البيئة المدرسية الآمنة.

15- ومما يزيد من الألفة في المدرسة بناء علاقة إيجابية مع أولياء الأمور والتواصل مع المجتمع المحلي وإشراكه في أنشطة المدرسة والاشتراك في مناسباته المختلفة حيث يرى أولياء أمور الطلاب أن مدرسة أبنائهم تقوم بمهمة رائدة في المجتمع إضافة إلى مهمتها في تربية أبنائهم بشكل جيِّد.

أخي القائد التربوي، أخي المعلم، تذكر أن مثلث بناء العلاقات الإنسانية الإيجابية هو:
احترام = تحفيز = تكريم

وأرى أن من واجبي أن أنبهك على أن كل نظام أو إجراء نتخذه لا يزيد الألفة؛ قد يتسبب في نقصها.

ومع كل ما سبق تبقى هنالك فروق بين بيئة وأخرى والقائد التربوي يعرف كيف يوظف العوامل المختلفة لبناء الألفة والعلاقات الإنسانية بين منسوبي مدرسته، وأنصحه بالاطلاع على مقال سابق لي بعنوان "القائد التربوي الذي نريد"، كما أن هنالك كتاباً متميزاً في هذا المجال بعنوان: "أطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب"، وهو من اصدارات مكتب التربية العربي.. مفيد لكل قائد تربوي.

ولك - أيها القائد التربوي - تحياتي وتمنياتي بمدرسة متآلفة ومتألقة.


كتبه خالد محمد الشهري

مشرف علم النفس بتعليم المنطقة الشرقية

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/66291/#ixzz2sr2Np5JI

0 التعليقات:

إرسال تعليق