رسالة إلى المعلم الفاضل



قم للمعلّم وفّه التبجيلا ...كاد المعلّم أن يكون رسولا
رحمك الله يا أحمد شوقي ورحم أيّامك ... ويوم (كاد) المعلّم أن يكون رسولا .. يوم كان المعلّم يقوم مقام الأب ووليّ الأمر والمربي والمرشد .. يوم كان المعلّم يعطي أكثر مما يأخذ فوجبت له الطّاعة التامه واستحق بعطاءه وإخلاصه الإحترام الكامل...
اخي المعلّم الفاضل .. بالأمس كدت أن تكون رسولاً .. واليوم (كان الله في عونك ) لا تكاد تكون شيء .. حقوقك مهضومه .. والتطاول عليك ليس له حدود .. ولقمة عيشك صعبة المنال .. وتبيت ليلك مهموماً بقوت العيال .. واحترامك من قبل الكثيرين - للأسف – ما عاد كما ينبغي .. ولا يشبه حالك اليوم حالك في الأمس القريب ... كل هذا تعيه أنت جيّدا .. ويعيه البعض من حولك .. ولكن:
أيّها الرسول الفاضل .. هل نسيت الرساله .. وهل تحتاج من يذكّرك برسالتك التي تحملها .. من بعد ما أنسوك إيّاها بحصارك والإثقال عليك في حياتك المعنوية والماديّة ومهامك الوظيفيه ..؟؟؟
أيّها الرسول الفاضل .. إنّ صلاح الدين الأيوبيّ ما كان ليقدر على تحرير الأقصى من الصليبيين لولا ما فعله من سبقوه (عماد الدين ونور الدين زنكي) من محاربة للفساد وإصلاح للجيل الناشيء آنذاك .. أيّها المعلّم الفاضل .. أنت (عماد) هذا العصر وأنت (نوره).. وليس لزماننا هذا وحالنا هذا سواك عماداً ولا أمل في النور ..
أيّها المعلّم الفاضل .. الــ ( أبجد هوّز) و الحساب والعلوم والجغرافيا .. وبأيّ قدم ندخل الخلاء .. ليس هذا كل شيء تحمله رسالتك مما يجب عليك تعليمه للتلاميذ .. نريد أن نرى جيلاً يفهم معنى الإنضباط والنظام .. نريد أن نرى طلاب المدارس يغادرون مدارسهم ويدخلونها بنظام وانضباط و يمشون على الشوارع بشكل يعكس ما علمتهم إياه ... لعل وعسى يتحقق قول من قال : ( إذا رأيتم العرب يمشون بنظام ويصعدون الحافلات في إنضباط .. عندها خافوهم )..
نريد أن نرى جيلاً يعرف معاني القيم النبيلة والأخلاق العاليه والسلوك القويم .. لا نريده أن يتعلّم حساب الأرقام دون أن يتعلّم كيف يحسب حساب مشاعر الآخرين .. ولا نريده أن يتعلّم الجغرافيا كي يحدد إلى أي أرض يهاجر .. علّموا أبناءنا كيف يعطون الطريق حقه .. وكيف يعطون الكبير حقه .. علّموهم قيمة الوقت .. والحديث والصّوت .. وعن الحياة والموت .. علّموهم فنّ وحسن الإستماع .. واحترام الرأي الآخر ومباديء التعامل الإيجابيّ .. علّموهم قيماً تعرفونها .. وتنسونها .. وحاشى أن يقال فيكم : (فاقد الشيء لا يعطيه).. علّموهم شيئاً عن التخطيط للمستقبل .. وشيئاً عن النجاح من بعد الفشل ..
ماذا تفعلون في حصص التربية الفنيّة والتربية الرياضيه ..؟ هي حصص في الغالب مخصصة لــ اللعب العشوائي واللهو غير الموجّه في كثير من مدارسنا ولا أقول كلّها بالطبع ..
حصص التربية الفنيّة نهملها .. في الوقت الذي يقاس فيه تقدم الأمم بفنّها .. لهذا ما زلنا متأخرين مئات السنين عن غيرنا من الشعوب ..
وحصص التربية الرياضية لا نعطيها حقّها في الوقت الذي يمكننا من خلالها بناء جسم سليم ليكون وعاءً للعقل السليم .. ويمكننا من خلالها صناعة جيل كامل في سنوات قليله يفهم معنى النظام والإنضباط .. وقيم التعاون في الفريق والتواضع عند الفوز ..
أيها المدراء الأفاضل .. حين يغيب معلّم عن حصته لظرف ما في غرفة صف فيها ثلاثين تلميذ مثلاً وبإعتبار أن زمن الحصة الدراسية هو خمس واربعون دقيقه .. ولا يكون لدينا خطة بديلة و محكمه لاستثمار هذا الوقت معهم .. فإن (22.5) ساعه تكون قد ضاعت هباءً من عمر هذا الجيل المسكين وهذا الشعب الذي يجب عليه اللحاق بركب الأمم .. فلا تزيدونه تأخيراً على تأخير ولا تبذّرون بوقته فوق هذا التبذير .
أيّها الرسول الفاضل .. أيّها المعلّم .. لا نثقل عليك بحديثنا هذا .. ولكن نذكّرك بأنه مهما إشتد الحصار عليك .. وبرغم شحّ الصلاحيات في يديك .. وبرغم . وبرغم .. وبرغم ... لا شيء يعفيك من حمل رسالتك .
ومن بعض المظاهر التي نأسف لها في العديد من المدارس على سبيل المثال وليس الحصر:
عند قرع الجرس واصطفاف التلاميذ في الطابور (وما هو بطابور) .. تجد النّصف الامامي من الطابور ينتظم في الصف والنصف الخلفي في غاية الفوضى وعدم الانتظام .. و المعلّم المناوب يعطي إشارته للطوابير كي تنطلق إلى غرفة الدرس .. فهو بذلك يكرّس سلوك عدم الانتظام لدى التلاميذ ويعزّز لديهم الانتماء الى النصف الخلفي (موطن اللانظام واللا إنضباط)..
يقرع جرس انتهاء الدوام .. لتجد بعض المعلمين يسارعون الى مغادرة بوابة المدرسة دون ايلاء اي اهتمام الى الفوضى والشكل الذي يغادر به التلاميذ .. بل يكون احياناً هونفسه جزءاً من هذا المنظر وعنصر فيه ..ولا نلاحظ أن التلاميذ لديهم اية تعليمات او تدريب على اسلوب منظّم في مغادرة المدرسة او دخولها .. فتظهر مغادرتهم وكأنّها زلزال على الشارع ... بل إنك في بعض الدول كاليابان حتى اثناء الزلزال الفعلي تلاحظ كم هي عملية مغادرة المدرسة عمليّة في غاية النظام والإنضباط .. ماذا ينقصنا وماذا يزيدون عنا يا ترى كي يستطيعون فعل هذا السلوك ولا يستطيع ابناؤنا .. هل حملت بهم أمّهاتهم عشرة أشهر .. أم أن الدماء التي تجري في عروقهم زرقاء ودماءنا عصير طماطم ...!
خلال الفترة الصباحيه واثناء فرصة منتصف الدوام تسمع صوت مكبرات الصوت في بعض المدارس تصمّ آذان أهل الحيّ وتقلق راحتهم حيث ينادي المدرّس او المدرّسة على التلاميذ بطريقة غير لائقه لا تختلف شيئاً عن مكبرات صوت الباعة المتجولين .. وغالباً دون استجابه (اللهم الا بالخوف في بعض الأحيان) فيكتسب التلاميذ من خلال ذلك منّا أسلوب الجعجعة والصراخ .. والمظاهر من هذا النوع كثيرة لا تنتهي .. فأين يا ترى تكمن الثغرة في هذا الخلل ؟ هل هي في ثقافة جيل كامل من المدرسين والمدرسات ؟ أم في الرقابة ؟ أم فيمن يرسم القانون وفي واضع السياسات ؟ وإلى متى نكابر ونخدع أنفسنا بأن الأمور على خير ما يرام وأنه ليس هناك عيب بحاجة إلى وقفة عنده لإصلاحه ؟ أم هي أزمة إدارة وكوادر مؤهلة وصاحبة مسؤولية ؟؟ أم السبب هو الإثقال على المدرّس في مهامه الوظيفية وعدد الحصص .. أم في تكليف بعض المدرسين بتدريس مواد لا يعرفون عنها شيئاً .. و في كثرة تنقلاتهم بين مدارس المحافظات وعدم الإنتماء إلى مكان بعينه او إلى مجتمع بعينه ...؟ أم في قللة متابعة الأهل و دعمهم للمدرس وللمدير أم عجز المدير عن الإداره.. ؟ أم السبب هو مزيج من هذا كلله ومن غير هذا ..؟ أم يكمن السبب في اجتهاد جميع الأطراف من (معلّمين ومدراء وأهالي ومديريات تربيه..الخ) في إلقاء اللوم على عاتق الأطراف الأخرى والنأي بأنفسنا عن المسؤولية في هذه الظواهر وغيرها ...؟ وأيّاً كان السبب أو كانت الأسباب .. نوجّه نداءنا إلى معلّمينا الأفاضل وإلى كل أصحاب المواقع في وزارة التربية والتعليم وإلى الأهالي وإلى الطلاب بمختلف فئاتهم  ونقول :
أيها الرسول الفاضل .. أيها المعلّم الكريم .. والمعلّمة الكريمه .. أياً كانت الحلقة المفقوده .. ومهما كان الظرف صعباً عليكم ينعقد الأمل وبكم يصلح الحال.. أو لا يصلح .. وشئتم أم ابيتم أنتم الخيط الذي يلمّ هذه السّبحة ويجمع خرزاتها وليس هناك ما يعفيكم من حمل أمانتكم .. وأداء رسالتكم .. كان الله في عونكم ...وسدّد خطاكم.
وهذا نداء للأهالي أن يتعاونوا مع المعلمين ويهيئون لهم جو الدعم اللازم لمساعدتهم على القيام بمسؤولياتهم... في (تربية) أبناءهم قبل تعليمهم.. فلا يقفون منهم موقف الخصم ..ولا حتى موقف الحياد .. وليحثّونهم على احترام المعلّم وتقديره وطاعته .لا على عناده ومصادمته وتحدّيه ومخاصمته .. لعلّنا نستطيع استعادة بعض ما فقدناه من كرامة العملية التعليمية .
وهذا نداء آخر بإلحاح إلى كل أصحاب المسؤولية في وزارة التربية والتعليم ومدراؤها ومدراء المدارس أن يلتفتوا إلى هذه الظواهربجدّية وإهتمام باعتبارها في أثرها على الجيل الناشيء وعلى المجتمع بشكل عام (كارثة خفيّه) تزرع بذور الإنحلال والتأخّر فينا وتدفعنا في سباق الأمم والشعوب نحو آخر المضمار..... مدارسنا بحاجة إلى خطط .. ومدرّسينا بحاجة إلى دعم وإلى تأهيل .. والمجتمع المحللي بحاجة إلى حملات توعية وإرشاد .. والطالب بحاجة إل توجيه إيجابيّ .. والقوانين بحاجة إل تفعيل ..والسياسات التعليمية والتربوية بحاجة إلى تنفيذ وليس إلى وضعها على الرفوف والجهل بها وإستبدالها بالأداء الإرتجاليّ الشخصي البعيد عن أي منهجية علمية .. والرّقابة بحاجة إلى رقابة عليها هي الأخرى .. والرسالة بحاجة إلى أمانة في حملها .. وتوصيلها ... ولا أحد يدري من أين تكون البدايه .. فبعد أن تمكن العلم من حلّ لغز الدجاجة والبيضه (من منهما خلق أولاً) ..ما زلنا في هذه القصة نتسائل حائرين من أين نبدأ .. والصواب اليقين (لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) .. فليبدأ كل منا بنفسه ومن حيث يقف .

 بقلم:جبر جميل حج علي

  http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2011/11/12/242462.html

0 التعليقات:

إرسال تعليق