لإنقاذ التعليم: أكثر من طريق..





لإنقاذ التعليم: أكثر من طريق..
بقلم :   محمد فالح الجهني   2010-04-06 22 /4 /1431  

ربما تيقن متخذ القرار التربوي، أو المعنيون به جميعًا، في فترة معينة، أن نظام التربية والتعليم يرجع بخطوات حثيثة إلى الخلف، أو أنه متوقف تمامًا، أو أنه ضل الطريق السليم. ولعل النظام التربوي في هذه الحالة قد أضحى فاقد الفعالية (لا يحقق الأهداف التي وضعت له)، أو لعله منخفض الكفاءة (يستهلك الكثير من الجهد والمال بلا طائل)، أو أنه غير منتج (نسبة مخرجاته إلى مدخلاته غير مرضية)، وربما اتضح أن النظام التربوي لا يواكب العصر، أو لا يلبي حاجات المتعلم والمجتمع وسوق العمل، أو أنه في معزل عن تطورات الفكر والممارسة التربوية الحديثة، ناهيك عن الأزمات التي قد تواجه النظام التربوي فجأة وتنذر بشلل تام يعتريه، في كل هذه الأحوال وأشباهها يمكن الحكم بأن النظام التربوي بحاجة ماسة، وعلى نحو عاجل، إلى فتح الطريق أمامه من جديد أو هدايته إلى سواء السبيل.. أو بتعبير آخر  إنقاذه.

 في مثل هذه الأوضاع التي تمثل أزمات تربوية، تتضارب وجهات النظر، وقد تتصادم، وتتطاير الأسئلة والتساؤلات، لكنها تتفق على أن النظام التربوي بحاجة إلى تغيير أو تطوير. ولكن أي نظرية تربوية نتبنى للتطوير والإصلاح التربوي؟ وهل نحسّن في النظام التربوي بصورة تدريجية هادئة (مدخل الجودة الشاملة مثلاً) أم نحدث تغييرًا مفاجئًا وسريعًا وجذريًا (مدخل إعادة الهندسة مثلاً)؟ هل نحن بحاجة إلى دراسات تربوية مستفيضة تستهلك الوقت وقد لا تجدي في ظل ضغط الزمن أم نحن بحاجة إلى قرارات تربوية حاسمة تتخذ في جلسة تركيز وعصف ذهني؟ هل نبدأ بالتغيير من داخل النظام التربوية أم نغير البيئة من خارجه ليتحسن هو بدوره تلقائيًا؟ هل التغيير المطلوب يجب أن يكون شاملاً أم نكتفي بتغيير أحد العناصر لينعكس أثر التغيير فيه على بقية عناصر النظام التربوي؟ هل المال وحده يكفي أم لا بد من مدخلات أخرى ليس للمال تأثير بدونها أم أن الحل في كيفية توزيع المال المتوفر على جوانب العملية التعليمية (ترشيد الإنفاق)؟ إقرار إنقاذ التعليم قرار تربوي خالص أم أنه قرار سياسي أم هما معًا؟ هل البداية في التغيير تكون من منبع التعليم (التعليم العام) أم من مصبه (التعليم العالي)؟ هل يكون تغييرًا من القمة ممثلة بالقيادات التربوية أم من القاعدة العريضة ممثلة بالمعلمين والعاملين؟ هل الجهد المفترض بذله لإنقاذ التعليم يأتي بشراكة مجتمعية أم أنه جهد ومسؤولية تربوية لا دخل لأحد فيها؟

القيادة التربوية المنقذة

درجنا في العالم العربي على استيراد نظريات القيادة التربوية الحديثة من منشأها في الغرب، باعتبار علوم التربية والإدارة الحديثة نشأت في تلك البلاد، ولما يبدو من فعالية نظم التربية الغربية للوهلة الأولى، إلا أن أستاذ الإدارة التربوية بجامعة أم القرى د. جويبر ماطر الثبيتي (يرحمه الله)، وهو قد نال الدكتوراه في الإدارة التربوية من إحدى الجامعات الأمريكية، أوضح من خلال إحدى دراساته المتعمقة(1) في هذا الشأن ثلاث نتائج على قدر من الأهمية، وهي النتائج التالية:

- أن الأيديولوجيات الغربية، والنظريات الإدارية الغربية للتربية، قد خلقت أزمة في عملية اتخاذ القرار التربوي المناسب هناك.

- أن الاستراتيجيات التي يتبعها مدير المدرسة في الغرب نتائج للأزمة وليست حلولًا لمواجهتها.

- أن على العالم العربي والإسلامي عدم الانقياد وراء الغرب في نظرياته وفلسفاته وأيدلوجياته التربوية، لكي لا يقع في الأزمة التي يواجهها قائد التربية في الغرب.

وأشار الثبيتي في النتيجة الأولى إلى أن اختلاف الأفكار التي يتبناها أطياف مختلفة من المجتمع الغربي نتجت عنها نظريات مختلفة، كل منها تنطلق من منطلقات أيدلوجية، مما سبب أزمة في عملية اتخاذ القرار نتيجة تعدد الخيارات فأصبح تحديد الخيار الأنسب لحل أي مشكلة أمرًا في غاية الصعوبة بالنسبة للقائد التربوي.

أما بالنسبة للاستراتيجيات التي يتبعها قائد التربية في الغرب، فهي برأيه نتائج للأزمة وليست حلولًا لها، أي أن الأزمة التربوية باقية لم تتغير، والمعاناة التي يواجهها قائد التربية مستمرة من حيث صعوبة اتخاذ القرار وصعوبة الاختيار الأنسب من بين البدائل أو الخيارات المتعددة.

وفي النتيجة الثالثة رأى الثبيتي أن مسألة استيراد المعرفة (أو نقل المعرفة) مسألة تحتاج إلى كثير من التروّي، خاصة أن عملية النقل تتم بين بيئات متباينة جغرافيًا واجتماعيًا وأيدلوجيًا، وهي مسألة في غاية الأهمية بالنسبة للتربويين العرب إذ تحتاج هذه المسألة قبل تجريبها على مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى عقد المؤتمرات والاجتماعات للمختصين في ميدان التربية للنظر في مدى صلاحيتها لمجتمعاتنا وكذلك للبحث عن الخيارات المناسبة في الميدان التربوي.

التغيير للإنقاذ

بات من المؤكد أنه إن لم تستجب منظمات اليوم وعلى رأسها المنظمات التربوية لرياح التغيّر، بالتعامل العاقل القائم على إحداث تغيير مواكب ومخطّط (=تطوير)، فإن بقاء هذه المنظمات واستمرارها وازدهارها وقيامها بأدوارها المأمولة موضع جدل ومراهنة، اللهم إلا أن أُريد لها أن تبقى لمجرد البقاء، وأن تكون عالة وهدرًا للمال والجهد والوقت، دون أن يكون لها دور في إعداد أفراد المجتمع للحياة وخدمة المجتمع وغيرها من أهداف المنظمات التربوية.

وللإجابة عن سؤال من قبيل «ما الذي يجب أن نغيّره في المنظمات لتواكب التغيّر من حولها؟» تأتي الإجابة في أدبيات الإدارة التربوية لتدور حول عدد من المحاور، التي تتكرر في هذا الجهد أو ذاك، ومنها على سبيل المثال: تغيير الأفراد، وجماعات العمل، والتنظيم التربوي بوثائقه وإجراءاته وهياكله، وتغيير الاتجاهات، وتغيير السلوك، والتغيير في المعايير والقيم السائدة بالمؤسسة التربوية، وهناك من يرى ضرورة التغيير في الهيكل التنظيمي (الاختصاصات والمسؤوليات)، والتغيير في النظم والإجراءات (تبسيط الإجراءات)، والتغيير في السياسات الحاكمة للعمل التربوي وأساليب اتخاذ القرارات التربوية، والتغيير في الإمكانيات المتاحة للنظم التربوية سواء كانت هذه التغييرات بالزيادة أو التخفيض، والتغيير في الأعمال والأنشطة التي يزاولها التنظيم التربوي أو وسائل التكنولوجيا المستخدمة.

وعلى العموم فهناك  ثلاث استراتيجيات لإحداث التغيير في سائر المنظمات، ومن بينها المنظمات التربوية، وهي الاستراتيجيات التالية:

- استراتيجية الرشد والتطبيق العملي Empirical-rational: التي تقوم على افتراضات عقلانية بأن الناس تطبق ما يحقق مصالحهم إذا ما شرح لهم ذلك.

- استراتيجية القيم- إعادة التعلّم Normative-reeducative: التي تعترف بحاجات الأفراد في المنظمة وبالقيم القائمة والمركز والجاه والطموحات، وما لهذه القيم من تأثيرات قوية على سلوك الأفراد والأداء، وتفترض هذه الاستراتيجية أن تغيير القيم والسلوك يأتي من عملية إعادة التعلم حيث يتضح عدم فاعلية القيم وضرورة إحلال قيم جديدة بدلاً عنها.

- استراتيجية تطبيق القوة والقهر والإذعان Application of Power: وتتضمن إرغام الأفراد على إحداث التغيير، وهي استراتيجية لا تستخدم بصفة عامة في مؤسسات الأعمال.

وأيًا كانت الاستراتيجية المختارة لإحداث التغيير بقصد إصلاح النظام التربوي وإنقاذه من أزمته، فهناك عدة مداخل فنية لإحداث التغيير في النظام التربوي، منها ما يلي:

- إدارة الجودة الشاملة Total Quality .Management

- إعادة هندسة العمل (الهندرة) Reengineering.

- تنمية المنظمة     Organization Development (O D).

- الإدارة بالأهداف Management By Objectives (M B O) .

- الإدارة في الوقت المناسب  Just In Time (J I T).

ـ الإدارة بفتح السجلات Open Book .Management (O B M)

ـ التخطيط الاستراتيجي Strategic Planning.

- إدارة المعرفة Knowledge Management .

إدارة الإبداع والابتكار Creativity Management.

وهذه المداخل الفنية تتباين من حيث حاجتها إلى الوقت لإحداث التغيير أو التطوير في النظام التربوي، فإذا ما كان المطلوب تغييرًا متدرجًا تحسينيًا يسعفه الوقت فمدخل الجودة الشاملة يبدو مواتيًا، أما إذا كان التغيير المطلوب سريعًا وجذريًا فيبدو أن مدخل إعادة الهندسة هو المطلوب. 

المال .. هل يكفي؟

يرى البنك الدولي أن هناك بعض الأسباب التي تحول دون استفادة بعض الدول من إنفاقها على التعليم ولم تحقق نموًا اقتصاديًا عاليًا، وتتمثل هذه الأسباب في التالي:

- الأموال التي أنفقت على التعليم في هذه البلدان لم تذهب عبر قنوات مفيدة للعملية التعليمية نفسها، فهي لم تنفق على تدريب المعلمين، وتوفير المختبرات، وتطوير المناهج، وشراء الأدوات والوسائل التوضيحية.

- نوعية التعليم لم تكن دائمًا جيدة، فهناك مواد كثيرة يتم تدريسها للطلبة لا تساعد على توفير بيئة ملائمة للتنمية، وقد كانت النتيجة أن بعض الخريجين أصبح من معوقات التنمية بدلًا من دفعها للأمام.

- في كثير من الأحوال لم يستجب النظام التعليمي لمؤشرات سوق العمل، ولهذا يتخرج في بعض البلدان عشرات الألوف من الطلاب الذين لا يجدون وظائف، لأنهم متخصصون في مجالات غير مطلوبة في سوق العمل فينضمون إلى صفوف العاطلين عن العمل، ويزداد معدل البطالة في البلاد.

- عدم الاستفادة من الأشخاص الذين يتخرجون من نظام التعليم بسبب الفشل في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

- ميزانية التعليم قد يستنزفها التعليم الجامعي المكلف. إذ يعتبر مردود التعليم في المراحل قبل الجامعية أكبر من مردود التعليم الجامعي، لأن تكاليف التعليم الجامعي أكبر.     

- وتقدّم معظم دول العالم التعليم العام (=الأساسي) – تحديدًا- لمواطنيها مجانًا دون مقابل وقد تجعله إلزاميًا. وتحاول معظم دول العالم إطالة عدد سنوات التعليم الإلزامي المجاني، ليتعدى المرحلة الابتدائية إلى المتوسطة، وربما الثانوية، ما يعني المزيد من التبعات المالية التي تقع على عاتق الحكومات التي بدأت تتبرم من مخصصات التعليم التي لا تبدو عملية تزايدها في توقف.

ولإنقاذ التعليم من الأزمات المالية، ترى العديد من الدراسات الأخذ بعدد من الاستراتيجيات التي من شأنها تطوير التعليم وإصلاحه وانتشاله من أزماته، ومن هذه الاستراتيجيات:

- زيادة مخصصات التعليم من المال العام، عند الضرورة الملحة، وإقناع الرأي العام بذلك.

- مشاركة المستفيدين من خدمات التعليم في دفع نفقته، ولا يعني الأمر بحال من الأحوال أن تتخلى الحكومات عن دورها في تمويل التعليم.

- إعادة هندسة تكاليف التعليم، بمعنى إعادة البناء وإحداث تغييرات جذرية في تصميم الهيكل التربوي وأساليب أدائه بحيث تستجيب الموارد الحالية لحاجات النظام التربوي، دون الحاجة لزيادتها.  

- ترشيد الإنفاق على التعليم، بمعنى رفع قدرة نظام التعليم على الربط بين الموارد المتاحة له وبين استخدام هذه الموارد بفعالية (تحقيق الأهداف التربوية) وكفاءة (تحقيق أعلى قدر من المخرجات النوعية والكمية بأقل قدر من المدخلات).  

- اعتماد مبدأ تحليل النفقة ـ المنفعة  Cost -Benefit analysis، الذي يربط  بين النفقة وغرضها بحيث يكون واضحًا أمام مسؤولي التربية أن كل نفقة لها غرض معين يجب عليها أن تؤدي إلى تحقيقه .

- استخدام أسلوب تكاليف الأنشطة  Activity Base Cost = ABC، الذي يقوم على أن لكل نشاط يمارس داخل النظام التربوي تكاليف خاصة به، وأنه يجب تحديد هذه الأنشط بشكل مفصل ومن ثم نقوم بتحديد النفقات اللازمة لكل نشاط.

المنهج.. حبل إنقاذ

الوصف الكامل للمنهج لابد أن يتضمن ثلاثة مكونات على الأقل، هي : ما يدرّس : أي المحتوى أو المادة الدراسية، وطريقة تدريسه (بما فيها وسائل وتقنيات التعليم)، ومن يقدم هذه المادة الدراسية. كما أن مصادر التعلّم (من مكتبات وشبكات تعليم تقنية ومصادر أخرى) وأسلوب التقويم تدخل أيضًا ضمن مكونات المنهج، انطلاقًا من التعريف الشهير تربويًا الذي يرى أن المنهج هو جميع ما تقدمه المدرسة إلى تلاميذها تحقيقًا لرسالتها وأهدافها ووفق خطتها في تحقيق هذه الأهداف.

ويبدو جليًا أنه لا قيام لنظام تربوي معاصر بلا منهج دراسي. وتبنى المناهج في جميع أنحاء العالم على ثلاثة أسس على الأقل، وهي: متغيرات العصر ومستجداته، واحتياجات المجتمع والمتعلمين، ونتاج الفكر التربوي في مجال فلسفة التربية والتخطيط التربوي وطرق التدريس.

وبحسب وزير تربية عربي سابق(2)، فإنه أمام التطورات المتلاحقة والتغيرات السريعة، وما تفرزه من مشكلات في شتى المجالات، وجد مخططو المناهج الدراسية أنفسهم في حيرة: فما الذي من هذه المتغيرات، أو الظواهر، والمشكلات يضمنونه المناهج؟ وما الذي لا يضمنونه؟ وهل يضمنونه في صورة مقرر مستقل؟ وما وزنه مقدّرًا بالساعات؟ وعلى حساب أي الموضوعات أو المقررات يكون ذلك؟ وحقيقة الأمر أن المناهج الدراسية لا يمكنها أن تنعزل عن مجتمعها ولا عن عصرها ولا يمكنها في الوقت نفسه أن تتخلى عن وظائفها الأساسية في تنمية قدرة التلاميذ على التعبير، والروح النقدية، وأن تكون وسيلة تعلّم الطالب كيف يتعلّم، وكيف يتزود بأدوات مفيدة، وكيف يفكر بطريقة متلاحمة؟ وكيف يكتسب المعلومات ويدققها، وينتجها، لذا فهي لا تستطيع أن تهمل مشكلات مثل تلوث البيئة، والأمراض الخطيرة، والإرهاب، وحوادث السيارات، والمخدرات، ومخاطر مصادر الطاقة الجديدة، والأسلحة الفتاكة، والتدخين، والفقر...إلخ. ولا نستطيع – في الوقت نفسه- أن نفرد لكل واحد من هذه الموضوعات مقررًا!

ويرد عليه وزير تربية عربي آخر(3)، بأنه علينا – والحالة هذه- أن نتخلى عن الأسلوب التعليمي الذي يعتمد على كم معرفي معين، كان المتعلم يستطيع أن يستوعبه في مرحلة سابقة، لأن العلم كان بحجم محدود، أما اليوم (ومستقبلاً) فإن هذه المهمة أصبحت مستحيلة ، لأن المعرفة تتضاعف بشكل غير مسبوق ويفوق كل تصور، وبالتالي أصبح البديل الوحيد هو القدرات والخبرات، كقدرات التعامل مع بني البشر والموارد والأنظمة والتكنولوجيا والمعلومات، وعليه لابد من تغيير أهداف التعليم إلى متعلمين مبتكرين مبدعين مقتحمين، كما أن الحاجة ملحة – الآن ومستقبلاً - لأن تزال الأسوار القاطعة بين فروع المعرفة الإنسانية في المناهج، فقانون ترابط عناصر الحياة يفرض علاقات وثيقة بين كل مناهج العلوم، وهذا جدير بفتح مجالات هائلة للأفكار الجديدة، وتوليد طاقات مستحدثة، واكتشافات مبتكرة، قادرة على توسيع مدارك الإنسان.

ولا تكتمل صورة المنهج بدون مصادر التعلم الحديثة، فالنظرة إلى المكتبة أصبحت نظرة جديدة، تتجاوز كونها مجموعة من الكتب المطبوعة المتنوعة التي تم إعدادها للتداول فقط، بل هي اليوم تتجه إلى توظيف محتوياتها لخدمة المناهج الدراسية وإكساب الطلاب مهارة البحث الذاتي. وهذا يتطلب التطوير العلمي والتقني لهذه المكتبات، بحيث تشمل معامل اللغات وشبكات الاتصال بقواعد المعلومات الإلكترونية والمعامل المتطورة والوسائط المتعددة.   

وفي نظم التربية المتأزمة لا تزال عملية تقويم الطلاب وتحصيلهم تعتمد في الغالب على اختبارات الذاكرة والاسترجاع بعد الحفظ والتلقين، دون تطويرها لتقيس مقدار الذكاء والتحصيل والمهارات الأدائية والتفكير الناقد والتفكير العلمي وطرق حل المشكلات والإبداع وغيرها.

ومن أجل إيجاد تقويم تربوي مناسب لمتطلبات المستقبل، لابد من توفّر قاعدة تقويم على شكل بنوك أسئلة مربوطة بشبكات معلومات بحيث تتضمن هذه البنوك وقواعد التقويم للكفايات التعليمية المطلوبة  وتحديد إجراءات استخدام هذه البنوك. وبالطبع يتطلب هذا إيجاد قاعدة معلومات للتقويم وبنوك للأسئلة محددة الإجراءات والاستخدامات، وتدريب المعلمين تدريبًا عاليًا للاستفادة من كل ذلك على الوجه المطلوب(4).

المعلم وتحديات متعددة

أجمعت الدراسات والبحوث والنظريات والآراء التربوية على أن المعلم أهم عناصر العملية التعليمية وصاحب الدور الأساسي والحاسم في العمل المدرسي أو هو حجر الزاوية في العملية التربوية حسب التعبير المتداول. ولذلك لابد من العناية بأمر المعلم اختيارًا وإعدادًا وتدريبًا، ولا يبدو النظام التربوي مقبلاً على شيء من التحسن ما لم يكن المعلم حاضرًا وبقوة في ذهن متخذ القرار التربوي، وهناك عدة تحديات تواجه النظام التربوي فيما يتعلق بالمعلم، ولا بد من تجاوزها متى ما واجه التعليم أزمة وبدا أنه بحاجة إلى تغيير أو إنقاذ، وهي التحديات التالية:

تحدي اختيار المعلم: فالتعليم، والتربية عمومًا، مهنة ذات طابع خاص، تفترض وجود عدد من المهارات والسمات والقدرات التي توائم هذه المهنة. وليس بالضرورة أن يكون الطالب متفوقًا أكاديميًا في المرحلة الثانوية حتى يمكنه الالتحاق بمهنة التعليم، وعليه فمعيار معدل الثانوية العامة معيار قاصر في تحديد مدى صلاحية هذا الطالب أو ذاك لمهنة التربية والتعليم. وعليه لابد من تطوير معايير ومحكات اختيار طالب الكلية التربوية، بحيث تمتد هذه العملية إلى ما قبل حصول الطالب على شهادة الثانوية العامة، والطالب على مقاعد الدراسة الثانوية، بحيث تنفذ برامج تعاونية للترشيح والاختيار بين الكليات التربوية والمدارس الثانوية، يتم على ضوئها ترشيح الطلاب الملائمين للعمل التربوي مستقبلاً. وفي الولايات المتحدة يتم اختيار المعلم (طالب الكلية التربوية) وفق عدد من المعايير، منها: 

معايير تتعلق بالاختبارات التي تقدّم على مستوى الدولة أو الولاية أو الجامعة أو الكلية، وهذه الاختبارات نوعان: نوع يقيس القدرات والاستعدادات، ونوع يهتم بقياس التحصيل.

معايير خاصة بالثانوية العامة من حيث المعدّل العام (GPA)، كما أن هناك معايير متعلقة بنوعية المواد التي درسها الطالب في الثانوية العامة التي سوف يدرّسها.

معايير خاصة بالسمات الشخصية والنفسية عند الطلاب، مثل قدرته التواصلية وميوله واتجاهاته نحو مهنة التدريس وصحته العقلية والنفسية، وبعض الأقسام تحرص على إجراء مقابلة شخصية للمتقدّم.

وعلى العموم فمعظم الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية تشترك في تبني نظامين للقبول، وهما: القبول المشروط Conditional Admission والقبول النهائي Full Admission. أي أن يدخل الطالب كلية التربية تحت مسمى قبول مؤقت حتى يحقق الشروط والمتطلبات التي تصعد به إلى القبول النهائي.

تحدٍّ متعلّق بعملية إعداد المعلم:   فتجاوزًا للجدل التربوي الذي يثار بصدد برامج إعداد المعلم، فيما إذا كان الأفضل هو اتباع الأسلوب التكاملي أم الأسلوب التتابعي في الإعداد التربوي للمعلم، يبقى الأهم هو ألا تنقص عملية إعداد المعلم في الكلية التربوية عن ثلاثة مستويات:

ـ مستوى التخصص الأكاديمي الذي سوف يدرّسه المعلم مستقبلاً.

ـ مستوى الإعداد الثقافي الكفيل بإعطاء المعلم قدرًا من الثقافة العامة في كافة التخصصات وهو أمر ضروري لمعلم التعليم العام.

ـ مستوى الإعداد المهني التربوي.

من المؤكد أن الإعداد الأكاديمي والإعداد الثقافي العام للمعلم قاصران في حالة قصور الإعداد المهني التربوي. لذلك لابد أن يكون الإعداد المهني التربوي للمعلم محل عناية كبيرة من لدن المخططين التربويين، بحيث تقلل المواد النظرية والفلسفية، مع تركيز جرعتها، لصالح المواد التطبيقية العملية، وأهمها على الإطلاق برامج التربية الميدانية.

وتجدر الإشارة إلى أن وجود برنامج التربية الميدانية في خاتمة برنامج إعداد المعلم في الكلية التربوية يعد مخاطرة بمستقبل الطالب المهني والعلمي ومجازفة بضخ معلمين غير صالحين إلى الحقل التربوي، في وقت واحد. فالتربية الميدانية محك حقيقي ونهائي للحكم على صلاحية الطالب لمهنة التعليم أو عدمها. وحين يتضح من خلال برنامج التربية الميدانية، بوضعها وتوقيتها الحالي، عدم صلاحية الطالب لمهنة التعليم يكون أمام متخذ القرار خيارين خاسرين، الأول: توجيه طالب غير ملائم وغير مؤهل إلى حقل التعليم، والثاني: عدم توجيه الطالب إلى هذا الميدان والتضحية بأربع سنوات من الدراسة في الكلية. إن مواكبة برنامج التربية الميدانية لمسيرة الطالب في الكلية التربوية من أول فصل دراسي له في الكلية حتى آخر فصل دراسي أمر تحتمه الضرورة والحرص على مصلحة العمل التربوي ومصلحة الطالب نفسه. وفي جعل برنامج التربية الميدانية مواكبًا لسنوات الدراسة في الكلية التربوية استكمال للمقترح السابق بصدد عملية اختيار المعلم. 

 تحدٍّ متعلّق بعملية تدريب المعلم: حيث تتطلب عملية إعداد المعلم – بالضرورة-  تدريبًا مستمرًا يمكّن المعلم، بعد تخرجه وممارسته للمهنة، من تطوير نفسه واللحاق بمعطيات التفجر المعرفي والتقني والمهني في حقول الحياة المختلفة وحقل التربية والتعليم الذي لا يشكل استثناء من هذه الحقول. وتشكو كثير من نظم التربية من عدم إقبال المعلم على التدريب التربوي والتعامل معه على أنه استثمار شخصي وعدم الجدّية فيه.

من الضروري وضع مجموعة من السياسات الضامنة لانخراط المعلم في برامج التدريب التربوي المستمر، كتبني إلزامية التدريب التربوي، وربطه بالترقية، والارتقاء بالوضع المهني بالتدريب، وربط الاستمرار بالخدمة بأخذ عدد من البرامج التدريبية خلال العام الدراسي، وأن تصبح عملية التدريب ومتابعة أثره مهمة أساسية من مهمات إدارة المدرسة والإدارة التعليمية.

لابد أن يقوم تعليم المستقبل، فيما يتعلق بالمعلم، بتطبيق أنواع من البرامج التدريبية التأهيلية، والعلاجية، والإثرائية، والتحويلية، والبرامج التدريبية الإجرائية . كما ينبغي أن يشمل التدريب التربوي كافة المهام التربوية لكل من المعلم، ومدير المدرسة، والمرشد الطلابي، وأصحاب الوظائف المساندة داخل المدرسة، يضاف إلى ذلك المشرفون التربويون وكل العاملين في الإدارات التربوية. 

تحدٍّ متعلّق بالتعليم كمهنة (تمهين التعليم): فقد أصبحت مطالبات المعلمين بالاعتراف بالتعليم كمهنة مطالبات متكررة. وغني عن القول إن الاستجابة لهذه المطالب تحتاج إلى توفير معايير لتصنيف أنواع المعلمين وتحديد رتبهم ومكافآتهم في ظل مجموعة من  النظم واللوائح والتشريعات الضرورية. 

إن التعليم الذي يهدف إلى إعداد طالب يفكر ويبدع ويحاور ويناقش ويعرض أفكاره بثقة وجرأة قادر على التعامل  مع معطيات الثورة المعرفية والتقنية، يتطلب بالضرورة معلمًا جديدًا محترفًا يذكي كل هذه الملكات في الطلاب، ويتجاوز الدور التقليدي الماضي للمعلم وكونه مجرد قائد للفصل ومسيطر عليه وملقن للتلاميذ وحافظ للنظام في الفصل والمدرسة.

تحدّي تقليدية دور المعلّم: فمن المشاهد في كثير من نظم التعليم المـتأزمة ظاهرة استمرار الدور التقليدي لدى الكثرة من المعلمين، وهو الدور الذي يقصر واجبات المعلم على التدريس التلقيني، ومتابعة حفظ الطالب للمادة التعليمية، وإلقاء المواعظ، والتقويم الذي يتخذ أشكالاً قسرية في أغلب الأحيان. هذا بينما اختلف دور المعلّم في السياق التربوي المعاصر، بحيث أضحى المعلم باحثًا عن المعرفة مع تلاميذه وموجهًا لهم نحو الفهم والتفكير السليم ومستخدمًا للتقنية التعليمية الحديثة، ومعالجًا ومرشدًا اجتماعيًا ونفسيًا... إلخ.

الهوامش:

(1)  الثبيتي، جويبر ماطر. أزمة القيادة التربوية المدرسية المعاصرة: أسبابها، أبعادها، استراتيجياتها، أساليب تفاديها. مكة المكرمة: جامعة أم القرى، مجلة جامعة أم القرى، س 10، ع 14، 1417هـ. ص ص 325-360.

(2)  أ.د. محمد الأحمد الرشيد، وزير التربية والتعليم الأسبق في المملكة العربية السعودية.

(3) أ.د. حسين كامل بهاء الدين، وزير التربية الأسبق في جمهورية مصر العربية.

(4) عبدالعزيز الحر، مدرسة المستقبل، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1431هـ.


رابط المقال     http://www.almarefh.net/show_content_sub.php?CUV=368&Model=M&SubModel=138&ID=596&ShowAll=On


--

0 التعليقات:

إرسال تعليق