الصحوة الإصلاحية للنظم التعليمية


التاريخ: 9 أبريل 2006


يكاد يتفق الجميع على أن تغيير الإنسان وإكسابه صفات الحداثة هو أساس كل تغيير وتنمية، ولكن كيف يمكن للدول الساعية لتطوير مجتمعاتها أن تغير من هذا الإنسان لكي يحقق لها أهداف التنمية المنشودة؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل بالتأكيد يختلف باختلاف طبيعة المجتمعات واحتياجاتها وفلسفتها في التطوير والتنمية.

والذي لا يختلف عليه اثنان أن الجزء الرئيس لعمليات التغيير والتطوير إنما يقع على عاتق النظام التعليمي، هذا النظام الذي يقدم تعليماً منهجياً رسمياً مجانياً يعكس رؤى المجتمع وتطلعاته وفلسفته في خلق مجتمع حديث، لذا فإن عمليات الإصلاح المجتمعي عادة ما تبدأ بالنظام التعليمي.

قد يكون الدافع الأساسي وراء قرارات التغيير والإصلاح في الأنظمة التعليمية هو نتائج تقويم أداء مثل هذه الأنظمة، ومدى قدرتها على الاستجابة لتطلعات المجتمع وحاجاته، تماما كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الثمانينيات على أعقاب نتائج تقرير " أمة في خطر: ضرورة الإصلاح التعليمي" والذي أصدرته (اللجنة القومية للتميز في التعليم عام 1983) وأشار إلى حاجة النظام التعليمي الأمريكي للعديد من الإصلاحات الجذرية، وإلا فإن الولايات المتحدة الأمريكية تجازف بالانزلاق إلى نوع جديد من العصور المظلمة دون أن تدري.

وقد يكون الدافع لدى بعض المجتمعات هو مجاراة ما يحدث في المجتمعات الأخرى من مبادرات إصلاحية، دون أن تكون أهداف التغيير والإصلاح واضحة أو مبررة، وكنتيجة لذلك تأتي هذه المبادرات واهية وضعيفة ولا تؤدي إلا إلى مزيد من المشكلات، تضاف إلى كاهل النظام المثقل أصلا بالمشاكل.

ولا شك أن الجميع يستشعر اليوم هذه الانتفاضة والصحوة الإصلاحية للنظم التعليمية في معظم دول العالم وبالأخص الدول النامية، هذه الدول التي مرت بها العديد من المحن السياسية والاقتصادية التي استنزفت خلالها معظم طاقاتها ومواردها، وصرفت بصرها عن التفكير في أوضاع الأنظمة المجتمعية، إلى أن جاء الوقت الذي وعت فيه هذه الدول أنه لابد لها من التغيير لكي تكون أمما قوية ومنافسة، حيث لا مكان اليوم وعلى الساحة العالمية للأمم الضعيفة.

وتختلف تجارب الدول في تطبيق خطط الإصلاح التعليمي، وتتفاوت درجة نجاحها في إحداث تغيير ملحوظ في نمط الشخصيات الحديثة الساعية لإعدادها، وبالتأكيد فإن نجاح هذه الخطط قد يتوقف على العديد من العوامل المتداخلة، في اعتقادي أن أهمها ما يلي:

1- القيادة السياسية الواعية:
إن مشاريع الإصلاح تبدأ من القرارات السياسية، وهي التي تعطي هذه المشاريع صفة الرسمية والمشروعية، وتوفر لها الدعم المادي والمعنوي اللازم لإنجاحها. كما أن هذا الدعم يجعل من قضية الإصلاح التعليمي قضية وطنية ومسئولية جماعية.

إن المحاولات الفردية أو المؤسسية للإصلاح التعليمي لا يمكنها أن ترى النور ما لم تكن مدعومة من قبل القيادات السياسية؛ فالقيادات الواعية هي التي تدرك جدوى وضرورة الاستثمار في العنصر البشري من أجل تحديث المجتمع وتطوره فتبدأ بإصلاح النظام التعليمي.

إن إنتاج المعرفة وتطويرها، والتي يمكن أن تحقق للمجتمع التقدم الثقافي والاقتصادي، يتم من خلال الأفراد المؤهلين معرفيا ومهارياً، والحفاظ على هوية المجتمع وأصالته تنبع من خلال أفراد متمسكين بتراثهم معتزين بقيمهم، والتواصل مع الآخرين والانفتاح على العالم والإفادة من خبراته إنما يأتي من خلال الشخصيات الحديثة الفاعلة المنفتحة والتي يمكن للنظام التعليمي أن يهيئ لازدهارها.

2- المساندة المجتمعية:
إن المشاركة المجتمعية في مشاريع الإصلاح التعليمي يخلق فهماً صحيحاً لدى أفراد المجتمع عن مبررات المشروع وأهميته وأهدافه، وتواؤم مشروع الإصلاح مع احتياجاتهم ورؤاهم وتطلعاتهم حول التعليم الأفضل الذي سيتاح لأبنائهم، من شأنه أن يجعل منهم مؤيدين ومساندين لمثل هذا المشروع، وعلى العكس فإن التعامل مع المشروع على مستوى القادة التربويين المتخصصين في المجال التعليمي من شأنه أن يخلق لغطاً لدى أفراد المجتمع حول جدوى المشروع وأهميته، وترتفع أصوات الغاضبين من أولياء الأمور المنتقدين لمشاريع لا يدركون أهميتها وجدواها لمستقبل أبنائهم.

إن حجب المعلومات المرتبطة بمشروع الإصلاح عن أفراد المجتمع، أو قلة توافرها سواء كان ذلك عن قصد أو عدم كفاءة من شأنه أن يعمل على انتشار الإشاعات التي تخلق فوضى عارمة في صفوف العاملين في مشروع الإصلاح وتعمل على تقويض أركانه.

ن المساندة الشعبية لمشاريع الإصلاح ركيزة أساسية من ركائز نجاحه، ولن تتوافر مثل هذه المساندة إلا إذا استشعر أفراد المجتمع بالفعل أنهم جزء من المشروع ويعول على مساندتهم لنجاحه.

3- خطط إصلاح واضحة:
إن إصلاح التعليم لا يتحقق بمجرد وجود النوايا الحسنة لتحسين أوضاع النظام التعليمي، ولا بمجرد صياغة خطط استراتيجية يتم حفظها على أرفف مكاتب القيادات العليا.

إن إصلاح التعليم بحاجة إلى خطط واضحة تعكس رؤى المجتمع وتطلعاته المستقبلية، خطط عملية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، مرنة قابلة للتغيير والتعديل كلما دعت الحاجة لذلك، وقابلة للقياس والمراجعة. إن الخطط الإصلاحية تحتاج إلى وضوح في الرؤية المستقبلية لما ينبغي أن يكون عليه التعليم، وإلى رؤية مشتركة لدى جميع العاملين في مجال التخطيط والتنفيذ حول:

ماذا نريد؟
كيف يمكن أن نحقق ما نريد؟
كيف يمكن أن نتأكد من أننا
قد حققنا ما نريد؟

إن عدم وضوح مثل هذه الرؤى ضمن الخطط الإصلاحية يجعل منها خططا لهدر الطاقات وتشتيت الجهود.

4- كوادر تعليمية مؤهلة:
لا يكون لأي مشروع إصلاحي أي معنى أو نتيجة بدون توافر الكوادر المؤهلة والمدربة القادرة على تحويل الخطط الإصلاحية من عبارات على ورق إلى واقع ملموس. إن قلة الكوادر المؤهلة والمدربة لهي إحدى أكبر المشاكل التي تعاني منها معظم المشاريع الإصلاحية، ولا شك أن البرامج التدريبية المكثفة المرتبطة مباشرة بأهداف مشروع إصلاح التعليم من شأنها أن توفر الدعامة البشرية اللازمة للتنفيذ، ولابد أن يتعدى الأمر من مجرد تزويد هذه العناصر بالمهارات اللازمة للانخراط في مشروع الإصلاح إلى بث روح الحماس والوطنية في نفوسهم واستثارة همهم لمواصلة العمل في مثل هذه المشاريع.

إن أكثر ما تفتقده هذه العناصر البشرية هو القدرة على العمل الجماعي التعاوني وبالأخص في المجتمعات العربية التي تعزز ثقافتها مفهوم العمل الفردي. ومهما بلغت مهارة وكفاءة العاملين في مشاريع الإصلاح التعليمي فليس بمقدورهم أن يحققوا شيئا ذا قيمة ما لم يكن العمل تعاونيا؛ فعندما تتجمع العناصر البشرية لتؤدي عملها في فرق عمل؛ فإن النمو والتطور في الأداء سيشمل جميع الأفراد، والقدرة الإنتاجية للجماعة ستفوق القدرة الإنتاجية للفرد.

ويتفق عدد كبير من التربويين على أهمية الاستعانة بالعناصر الشابة لقيادة مشاريع الإصلاح التعليمي، تلك العناصر التي لم يتقولب تفكيرها في إطار من الممارسات التقليدية التي يمكن أن تحد من انطلاق نشاطها نحو الإبداع والتجديد، إلا أنه في ضوء الحاجة الشديدة لحشد الخبرات والطاقات؛ فمن المهم تجنيد الحرس القديم للنظام التقليدي لنصرة مشاريع الإصلاح، ولا شك أن أفضل طريقة لامتصاص غضبهم وتحويل رفضهم إلى مساندة، وتقليديتهم إلى حداثة، هي جعلهم جزءاً من مشروع الإصلاح. إن هذا الاندماج لمثل هذه العناصر في مشروع الإصلاح يملي عليهم اكتساب المهارات والكفايات التي تتطلبها عمليات التنفيذ.

من الخطأ تماماً الاعتقاد بأن مشاريع الإصلاح ينبغي أن تبدأ من الصفر فلا وجود لمشروع إصلاحي ولد من العدم، ولا يمكن إقصاء العناصر البشرية التي تنتمي للنظام القديم. إن التحدي يكمن في تحرير الطاقات البشرية من أسر التقليدية إلى رحابة الحداثة.

وأخيراً، فإن مستقبل الأجيال القادمة لابد أن يكون في أيدي أمينة، واثقة من أنها تحمل خارطة الطريق الصحيح لصنع مستقبل المجتمع.

رابط المقال/http://www.education.gov.qa/content/resources/detail/9154



--



0 التعليقات:

إرسال تعليق